الخميس، 27 نوفمبر 2008

الدين.. أيديولوجيا

-
الدين هو أيديولوجيا كبقية الأيديولوجيات، أي أنه مجموعة أفكار متناسقة أو منظومة فكرية لها رؤية تفسّر وتبرّر وتعطي إجابات من زاوية معيّنة للظواهر الاجتماعية والطبيعيّة. وعلى عكس ما يعتقد البعض، فالأيديولوجية لا تخدم مصالح كل البشر، بل مجموعة معيّنة فقط. فالليبرالية وهي أيديولوجية الطبقات الرأسمالية تخدم مصالح الرأسماليين، والاشتراكية وهي أيديولوجية الكادحين تخدم مصالح الطبقة العاملة، والدين الإسلامي كأيديولوجيا، خدم مصالح العديد من الطبقات كالإقطاعيين والتجار ...لكن هناك تساؤلات مشروعة، أهمها : كيف يخدم الدين الإسلامي مصالح الإقطاعيين والتجار والحال أنه وفي بداية ظهوره بدأ كثورة ضد أسياد قريش ودافع عن العبيد وقاوم الظلم...؟ لو عدنا إلى أوروبا مثلا، سنجد أن الدين المسيحي كان حصنا للكنيسة الإقطاعية، واجهت به ومن خلاله القوى البرجوازية الصاعدة التي رفعت شعار الحرية والإخاء والمساواة والعدالة... بهذه الشعارات تمكنت البرجوازية من تجييش كل الطبقات الشعبية (عمال، فلاحين، تجار، صناعيين، مثقفين، عاطلين، ...) وقيادتها للتصدّي للطبقات الإقطاعية وللكنيسة. ثمّ أن البرجوازية وبإستلائها على السلطة السياسية، أفرغت كل شعاراتها من مضمونها الثوري والتقدمي، فأصبحت الحريّة هي حريّة رأس المال في إكتساح كل شبر من الارض به مواد أولية ويد عاملة وإمكانية إنتاج (دعه يعمل، دعه يمضي، دعه يمر)، وكذلك الإخاء والمساواة والعدالة وُظّفت وفُسّرت لصالح الطبقات الرأسمالية. وتصالحت البرجوازية مع الكنيسة أو قل أصبحت الكنيسة مؤسسة من مؤسسات الدولة البرجوازية، وبهذه المصالحة غيّرت الكنيسة سلوكها وأحكامها لتتلاءم مع نواميس المجتمع الرأسمالي (الرّبى مثلا الذي كانت ترفضه، قبلت به لأنه المحرّك الأساسي للبنوك). وفي كلمة أخيرة، الأيديولوجية تولد وتنطلق وتدخل للميدان كثورة أو كدافع للثورة، فتفعل فعلها في تغيير الواقع لما هو أفضل. وعندما تصل الطبقة (التي تحمل هذه الأيديولوجيا) للسلطة وتستوي في جهاز دولة، تأخذ هذه الأيديولوجيا في التراجع وفي تبرير القمع الذي كانت تناهضه. والدين الإسلامي كأيديولوجيا، لم يشذ عن هذه القاعدة، فقد بدأ كثورة إستقطب فقراء الجزيرة ومعدميها، وناهض الأسياد مالكي الأرض والعبيد وكبار التجار... فلأول مرّة في تاريخ العرب دخل عنصر آخر فعّال في صنع التاريخ وهو عنصر الفقراء والمستضعفين الذين دخلوا المعركة بكلّ ثقلهم العددي وبكل ثقل بؤسهم وأهميّة دورهم، وبذلك ساهموا في تسديد ضربة عنيفة إلى منطق البنية القبلية التي كانت تمرّ بعملية تفكك عميق، ووضعوا حاجزا ولو إلى حين، أمام مطامح التجار في السلطة عن طريق بني أميّة، لأن الأمور في ظل الثورة لم تعد تسير وفق عصبية المال والقبيلة، وإنما تسير وفق عصبية جديدة، هي عصبيّة الثورة المتجسدة في جماعة المؤمنين التي تضم أعدادا كبيرة من هؤلاء المستضعفين، وهو ما تعكسه عدّة آيات مكيّة من القرآن قبل الهجرة، وهي تعبّر فعلا عن شعارات الثورة، فكانت تهاجم أثرياء التجار بكلّ عنف وتتوعدهم بالجحيم وبئس المصير: "ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالا وعدده"، "تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب"، ... ثمّ وعندما بدأ الإسلام يتأسس كدولة أخذ يستقطب الأغنياء (أبو سفيان...)، وعندها بدأت الكفة تميل تدريجيّا من الثورة على الواقع إلى تبرير الواقع، من التبشير بواقع أفضل إلى طاعة أولي الأمر... وهكذا، أصبح الإسلام يمثل أيديولوجية التجار الذين أخذوا يمدون سلطانهم على كامل الجزيرة العربية وبقية مناطق العالم.
-