الأربعاء، 18 مارس 2009

السماء.. تحتنا أيضا !

-
كلّنا يعرف، تمام المعرفة، أنّ سيدنا عزرائيل محروم من جميع العطل، المدرسية والوطنية والدينية التي سنها البشر، بعد أن غادروا الفردوس، مطرودين، وفي أفواههم مذاق مرّ لتفاحة، كانت قبل ذلك بقليل، حلوة.
إنّه مشغول بالعمل ليل نهار. يوزّع الموت، بالعدل والقسطاس، على الحيوان والجنّة والناس. لا يفرّق بين أرواح عفنة وأخرى طاهرة، هذا إذا أمكن له العثور على أرواح طاهرة، بطبيعة الحال، بعد أن فعلت الثقافة فعلها في بني البشر.
ومع أنّنا نعرف ذلك بالقدر الذي نجهل به مصائرنا، فإنّ أغلبنا يتلكّأ في الاستجابة لدعوته لنا بمغادرة الحياة على الفور، وكأنّ للرجل وقتا، شبيها بوقتنا المبدّد، يسمح له بتكرار الكلمات وتمطيط الجمل وتنغيم الحروف على طريقة الخطباء. وما أكثرهم في جوامع اللغة العربية وتجمّعاتها وجامعاتها.. بل ما أكثرهم حتّى في المفرد والمثنّى.. وفي الجسد الواحد وظلّه الواحد.
لكأنّ أيّاما إضافيّة أو شهورا هزيلة تنضاف إلى وجودنا الحيواني، على سبيل التوسّل لملك الموت، كافية للتدليل القطعي على أنّ الحياة، ذاتها، قد شرفت بنا ولو لدقيقة واحدة طيلة حياتها كلّها.
لكأنّ ما خسرناه بالإضراب عن أداء واجباتنا، لمّا كانت الحياة ممكنة، سوف نربحه بالندم على وقت ثمين، تمّت إتاحته لنا، فلم نستطع أن نحوّله لا إلى زمن ولا إلى تاريخ !!
في مثل حالتنا، نحن الفرادى داخل لغة تجمعنا بقوة النحو والسيف، لغة لا يهمّها أن تتذكر المستقبل بقدر ما يهمّها التباهي بما تتصوّره أبديّا في منجزات ذكور ماتوا، مقتتلين ومقتولين، منذ مئات السنين، دون أن يتركوا لعبدتهم حرّية الفرار من صحراء الجنّة الخضراء باتجاه جنان جهنّم الحمراء من باب تفعيل البنية التحتيّة للسماء :
السماء الواقعة تحتنا أيضا على عكس ما يظنّ أربعة أخماس العموديّين ومن جاورهم من أفقيّين فخورين بأن يكون لهم ربّ، لغوي، سرّي، غامض، لا يصلح لأن يكون مادّة للتأويل وذريعة لتصفية الحسابات بين البشر...
في مثل حالتنا، نحن الذين خصصنا، من دون أنظمة الدنيا قاطبة، بأنظمة حكم سياسية وراثية، يطيب لي، من هنا فصاعدا، أن أسمّيها أنظمة جنسية، لكونها أغارت على تقاليد الممالك والإمارات والسلطنات وأدخلتها، عنوة، في قاموس الجمهوريات، بحيث صار الفعل الجنسي، باعتباره إدخال شيء ذي حجم وكتلة في شيء مجوّف لزج، عن طريق الزواج أو المتعة، هو الآلية الصدفويّة الوحيدة للتربّع على سدّة الحكم حتى الموت أو الاغتيال أو الإقالة أو الانتحار أو الإعدام... أو الهروب مع السيدة الأولى باتّجاه حاكم مجاور يستعدّ، هو الآخر، للهروب مع من بقي حيّا من عشيرته ونسله.
وفي هذا المجال علينا أن نفترض أن خيانات زوجيّة عديدة قد تمّت، بالفعل، بين الأزواج والزيجات الحاكمة في منطقتنا، إذا ما أردنا، ومن باب التسلية، إقامة الدليل على أنّنا غير محكومين بأنظمة وراثيّة تناسليّة بالمعنى الجنسيّ الناتج، حصريّا، عن إدخال شيء في شيء أو عن تداخل شيئين في بعضهما البعض.
في مثل حالتنا، نحن الذين أرغمنا الله، على كتابة آخر رسائله، وقتلناه قبل أن يقتله فريدريك نيتشة، وتنسّبه النسبيّة.. ثم زدنا.. فقايضنا جوهر الحرّية بأسمال الحقيقة إلى حدّ لم يعد ممكنا معه الوصول إلى ديمقراطيّة لاعن طريق الأنظمة الحاكمة ولاعن طريق المعارضة الحالمة ولاعن طريق الأصوليّين التكفيريين بطبيعتهم ولا عن طريق التبشير والاحتلال سواء أكان مباشرا أم غير مباشر.
في مثل حالتنا، وحتّى لا يطول هذا الاستطراد الذي عليه أن يطول، لأسباب تكرارية، يتطلّبها إيقاع أرواحنا المنتحبة، وحتّى لا نعطّل السيد عزرائيل عن أداء الوظيفة الإداريّة الوحيدة الموكولة له، يتعيّن علينا أن نستثمر تطيّرنا من الحياة ونبادر ببيع ما تبقّى سليما من أعضائنا (قلوب..كلى..أكفّ..ألسنة..مُقل..إلخ) إلى من لديهم رغبة في مزيد الحياة.
وأيّ عجب في الأمر ما دمنا سنقبض أموالا طائلة، مقابل التنازل عن أجسادنا، وسنوفّر على أبنائنا عقوبة أن يكونوا مثلنا وأن يكون، داخل أجسادهم، أعضاء تذكّرهم بنا.
- محمد الصغير أولاد أحمد