الجمعة، 13 مايو 2011

الأستاذ شكري بلعيد (حركة الوطنيون الديمقراطيون) لـ «الشروق»:13 ماي 2011

_

بلوغ الديمقراطية يتطلب منا وقتا طويلا...
والفصل 15 لــم يقص التجمعيين بــل حاسبهم...


_


تونس ـ الشروق:

أكّد الأستاذ شكري بلعيد، الناطق الرسمي باسم حركة الوطنيين الديمقراطيين (الوطد) أن المهم اليوم في تونس ليس الحديث عن نظام برلماني أو نظام رئاسي بل الأهم هو التركيبة التي سيكون عليها النظام السياسي المختار... وأضاف بلعيد في حوار لـ «الشروق» أن بلوغ الديمقراطية قد يتطلب وقتا طويلا، لكن لا بأس من الشروع من الآن في البناء لها عبر مسار يحترم التعددية السياسية ويؤهل المنظومة الأمنية والتربوية ويدعم دور النخب ومنظمات المجتمع المدني. ومن جهة أخرى تحدّث عن قرار إبعاد التجمعيين من الخارطة السياسية وقال إنه إبعاد وليس إقصاء، الغاية منه هي المحاسبة السياسية التي ستؤدّي بنا في ما بعد إلى المصالحة، وتحدث الأستاذ بلعيد عن تصورات حركة «الوطد» للمستقبل السياسي في تونس، وخاصة عن موقفه من إمكانية تولي الجيش الحكم.
وفي ما يلي نص الحوار:
لو نبدأ أستاذ بالسؤال الذي يشغل بال كثيرين هذه الأيام وهو المتعلق بنظام الاقتراع الذي وقع عليه الاختيار (على القائمات) ماذا تقولون عنه؟

ـ الاقتراع على القائمات هو الطريقة الوحيدة التي تؤكد على أولوية الأحزاب، فالديمقراطية لا تُبنى بالأفراد بل بالأحزاب وكذلك عندما يتعلق الأمر ببناء نظام سياسي جديد، لابد أن تلعب الأحزاب دورها وهو ما يفرض نظام القائمات الذي يعتمد النسبية ويوفر حضور الأحزاب ويعكس التعدد والتنوع في الواقع... لذلك فإن اختيار هذا النمط هو أقرب لضرورات المرحلة ولمنطق التحولات والأهداف المراد تحقيقها ثم يأتي التقييم... فاعتماد الدوائر الفردية له عدّة عيوب منها اعتماد العلاقات العشائرية والروابط القديمة ودخول المال السياسي على الخط وإمكانية استعمال المنابر الدينية للتوظيف الحزبي مع إمكانية تسلل البعض من رموز النظام البائد من خلال علاقات القرابة وكذلك إمكانية ضرب المجتمع والخارطة السياسية بالضرر الفردي وتتشكل زعامات محلية وليس وطنية، غير قادرة على تسيير دواليب الدولة الثقيلة. كذلك، الانتخاب على الأفراد بضرب عملية التمثيل (مثلا الحاصل على 51٪ من الأصوات يفوز على الحاصل على 49٪ رغم أن الفارق بينهم ضئيل، بينما نظام القائمات يضمن تمثيل أغلب الأصوات في المجلس التأسيسي. ويوجد معطى آخر هام وهو ضرورة تواجد المستقلين والكفاءات عبر التحالفات والجبهات إلى جانب الأحزاب... وحركة الوطنيين الديمقراطيين تضع هذا الاقتراح صلب اهتمامها. ذلك أن اختيارنا للقائمات لن يكون بشكل مركزي بل سنعطي الفرصة للجميع في الجهات لنعكس الطيف الديمقراطي التقدمي (أي كل من ينخرط في مشروع دستور جديد أساسه المساواة والديمقراطية والتنمية). 

هل أنتم على استعداد لإعطاء هذه الفرصة حتى لمنخرطي التجمع سابقا في إطار تفتحكم؟ 

ـ طبعا لا، لأنه لا يمكن بناء نظام ديمقراطي بوجوه قديمة تربّت على الاستبداد، وانخرطت فعليا في الظلم والديكتاتورية. فهذه ثورة، ونريد بناء نظام جديد على إثرها، نريد التفريق بين النظام السياسي والإدارة... في الإدارة يقع الاعتماد على الكفاءات بعد تأهيلها (إمكانية أن تكون هذه الكفاءات تجمعيّة)... وفي النظام السياسي الجديد والديمقراطي لا يمكن أن يُسمح لهم بالدخول إليه.

 لكن أنتم أيضا يمكن مجابهتكم بأنكم كيساريين ماركسيين أصحاب إيديولوجيات هي في الأصل شمولية وليست لها ديمقراطية؟ 

ـ ذلك غير صحيح... فمنذ ثورة 1848 في فرنسا مثلا، يتضح أن الديمقراطية متأصلة في الحركة الماركسية.
وبالنسبة إلى حركتنا في تونس، خسرنا ذاكرتنا ووعينا بسبب نظام الحزب الواحد القائد، فقطعنا معه تماما رغم أن الأصل هو تعدد الأحزاب حتى في ظل الاشتراكية... فأصل الصراع هو التعدد، وحركتنا مبنية على الصراع...
فكل مكونات المجتمع تعبّر عن رأيها بكل حرية بعيدا عن العنف. لكن في النظام الرأسمالي لم يكن هناك توازن وتعبير حر لكل الأطراف: البرجوازية تملك الإعلام والدولة والقمع والمال و... و... ونحن نواجهها بمجرّد منشور صغير... لذلك يقع استعمال العنف لكسر هذه الحلقة القوية.بالنسبة لنا، بادرنا الآن بطرح قضية المال السياسي بكل حدّة... علما أنه ليس لنا أي مشكل في خوض «الخصومة» الانتخابية مع كل الأطراف بمن فيهم النهضة التي نعرف حجمها... علما أن حركتنا تضم آلاف المنخرطين من الإطارات والكوادر الآن في كامل أنحاء البلاد واجتماعاتنا تشهد نجاحا كبيرا رغم أننا لا نلجأ للحافلات لنقل الناس، نأمل فقط في حيادية الإدارة وحيادية المساجد وإلغاء المال السياسي ثم فليتنافس المتنافسون وهذا ليس مستحيلا، إذ توجد الآليات والإجراءات الضرورية للمراقبة المالية وغيرها للأحزاب على غرار ما هو في الدول الديمقراطية، ولنا تصور تفصيلي في ذلك سنفصح عنه إذا ما رغبوا في ذلك، خاصة أن حركتنا بها مختصون في القانون والمال والمراقبة. ونحن لن نخاف من ذلك لأن لدينا المال الضروري للتحرّك، ويمكن محاسبتنا بالمليم عن مصادره... لكن المهم مراقبة الجميع على قدم المساواة... ثم يأتي بعد ذلك التنافس السياسي الشفاف في الانتخابات ونترك للمواطن حرية الاختيار وفق ما يقوله لينين «الانتخاب هو أرقى أشكال الديمقراطية»... مع ضرورة القطع مع نظام الحزب الواحد الاستبدادي.

أية شريحة أو طبقة اجتماعية تعبّر عنها اليوم حركة الوطنيين الديمقراطيين؟ 

ـ طموحنا اليوم هو أن نكون تعبيرا لقوى الشعب الكادح وطرفا أساسيا في جبهة الشعب التقدمي التي تضم عموم الأجراء والفلاحين الفقراء والصغار والمتوسطين وصغار البورجوازيين وقطاعات واسعة من البورجوازية الوسطى ومن رأس المال الوطني المقصود به كل من يعطي الأولوية في استثماره للقطاعات المنتجة ذات القدرة التشغيلية العالية، وكل من يحترم حقوق وكرامة العامل... لذلك طرحنا خارطة تنموية جهوية تضم 12 ولاية سيقع تخصيصها ببرنامج تنموي وطني، إضافة إلى جملة أخرى من المقترحات الاقتصادية. 

وبالنسبة إلى النظام السياسي، ما هي تصوراتكم للمرحلة القادمة؟ 

ـ أولا لابد من الإشارة إلى أن مسألة نظام رئاسي أو نظام برلماني هي بسيطة وغير مهمة عكس ما يعتقده البعض... فالأهم من كل هذا هو تركيبة النظام السياسي الذي من الأفضل أن يكون على المستوى المركزي، به برلمان يحتكر التشريع دون غيره، تنبثق من أغلبيته حكومة تحاسَب باستمرار مع انتخاب مباشر من الشعب لرئيس دولة ينحصر دوره في السياسة الخارجية وقيادة الجيش إذ لابد من رمز لوحدة الدولة مع تحديد سلطاته.
كما يجب ضمان استقلالية السلطة القضائية عن طريق مجلس أعلى للقضاء منتخب من القضاة، وقانون أساسي عالي للقضاة... إضافة إلى مجالس عليا استشارية مختصة تمثل كل القوى السياسية وخاصة قوى المجتمع المدني وأهل الخبرة والكفاءة تكون نواة للاستشارة بعيدا عن كل المشاحنات السياسية.

حديثك، شأنه شأن حديث أغلب السياسيين، يحتوي شحنة أمل كبيرة ويرتقي دائما إلى درجة الفكر السياسي المتميز... لكن على مستوى
السلوك السياسي، فإن كل النخب السياسية لا يظهر منها إلى حد الآن إلا التشنج وعدم العقلانية... فلماذا كل هذا؟ 

ـ في تقديري، أرى أن السبب هو نقص الثقافة الديمقراطية لدى الجميع، بمن فيهم نحن وهذا ليس لعيوب فينا بل لأننا جميعا بصدد التدرب على الديمقراطية بعد أن ولدنا وتربينا وتنفسنا وعشنا في فضاء معاد للديمقراطية... ثم أن التحول الثوري تسوده عادة الخطابات المتشنجة وهذا ليس خاصا بنا بل بكل الثورات في العالم (مثلا الثورة الفرنسية).
لكن بعض الفاعلين بإمكانهم ترشيد الخطاب السياسي مثل الإعلام (بالخروج عن الإثارة من الخطاب القديم) والأحزاب نفسها التي عليها مزيد التعقل... والتشنج لا يتكون إلا عند طرح الملفات العامة جدا التي تنتج خطاب احتجاج أما طرح الملفات المفصلة عند تقديم المقترحات فإنه يجعل كل حزب أمام حقيقته لابد من حوار وطني حول محاور مخصصة محددة قادرة على إنتاج ما نسميه في حركة الوطنيين الديمقراطيين «إنتاج النظرية الخصوصية للثورة في تونس» ونخرج بذلك من فضاء النظرية العامة.

وهل ترون أننا قادرون اليوم على بلوغ مرحلة الديمقراطية بسهولة؟ 

ـ أعتقد أنه أولا لابد من ضمان التعددية التي هي مرحلة من مراحل المسار الديمقراطي... وبما أننا في مسار ثوري، فإنه قد يأخذ منا وقتا طويلا قبل بلوغ الديمقراطية، لابد من إعادة تأهيل الأمن والسياسة الأمنية الجديدة القائمة على الديمقراطية وحماية المواطن وحقوق الإنسان والخضوع للقانون (أمن للوطن والمواطن وليس أمنا للسلطة)... وهذا يتطلب مجهودا كبيرا، ليس فقط تنحية هذا وتعيين ذاك... بل المسألة هي ترسيخ فكر وثقافة كاملين... كذلك لابد من إعادة تأهيل المنظومة التربوية والنظام التعليمي، ومن اندماج بين الأحزاب والنخب المفكرة لتكون صوتا نقديا عقلانيا داخل الأحزاب... كذلك يجب ضمان استقلالية المنظمات المدنية والجمعيات التي تلعب دور السلطة المضادة للحكم ولغير الحكم وإبعادها عن الأحزاب.. لابد من ترسيخ الديمقراطية في ثقافتنا ككل، وهي ثقافة بالأساس استبدادية... 

هل ترون أن الفصل 15 من القانون الانتخابي كان انعكاسا لهذه الثقافة الاستبدادية المرسخة فينا؟ 

ـ لا إطلاقا... اليوم نحن إزاء ثورة... والتجمع لم يكن حزبا سياسيا بل جهاز مندمج مع الإدارة والدولة وخوصصهما لفائدته وتعايش معهما وانتهى لفك الارتباط معها.
ما حصل لم يكن إقصاء للتجمع بل استبعاد للوجوه التجمعية وللمسؤولين فيه، وهذا فقط لانتخابات المجلس التأسيسي.
فالتجمع مازال إلى اليوم حاضرا بقوة في الإعلام التونسي وداخل الأجهزة الحساسة في الدولة، لكنه ضعيف في الشارع ولدى الشعب... وعلى الإدارة والإعلام التكيف مستقبلا مع الواقع الشعبي وواقع المجتمع.
صحيح أن الوجوه التجمعية السابقة التي كونت الآن أحزابا لم تظهر كثيرا في الإعلام لكن وجودها مازال مضمونا عن طريق بعض الإعلاميين بطريقة غير مباشرة فضلا عن تغييب الوجوه الأخرى (مثلا ممثلي حركة الوطنيين الديمقراطيين) عن الإعلام خاصة عن التلفزة...ما حصل هو إبعاد مسؤولين سابقين في التجمع كانوا متواطئين مع جهازين قمعي ودكتاتوري ولا يمكن بعد كل ما قاموا به أن نرحب بهم في انتخابات المجلس التأسيسي.
 

ألا ترون أن القضاء هو الكفيل وحده بفض هذا الإشكال؟ 

ـ طبعا لا، لأن القضاء سينظر في النواحي الجزائية فقط (قتل ـ تعذيب ـ مظالم أخرى).لكن النواحي السياسية لا يمكن للقضاء أن ينظر فيها... ولابد من النظر في الأمر حالة بحالة حسب ظروف تورط كل طرف في منظومة التجمع الاستبدادية.
وفضلا عن ذلك، فإني أعتقد أن إقصاء التجمعيين لم يكن تصفية حسابات من بقية القوى السياسية بقدر ما كان قرارا شعبيا، أنهى أمرهم بصفة قطعية...
نحن مع المحاسبة السياسية حتى نصل إلى ثقافة المصالحة إضافة إلى المحاسبة القضائية التي ستقول كلمتها كل هذا طبعا مع ضرورة تحمل كل ردود أفعالهم المحتملة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
نحن لا نحمل ضغينة تجاه أحد والشعب التونسي على درجة عالية من التمدن والتسامح لكنه ليس أحمق ويريد المحاسبة السياسية قبل المصالحة.
 

ماذا تقولون عن إمكانية وقوع الحكومة أو الأطراف السياسية في خطأ أو انزلاق مستقبلا على غرار ما حصل مثلا في الجزائر وموريتانيا بعد أن شهدا انتخابات ديمقراطية ثم وقع إجهاض ذلك وآل الحكم مثلا في موريتانيا إلى الجيش، فهل يمكن أن يحصل السيناريو نفسه في تونس؟

ـ الحل الأمثل في رأيي هو أن يحصل توافق بين كل الأطراف على أن الجمهورية القادمة يجب أن تكون مدنية وأن الجيش الوطني الشعبي لابد من تعزيزه والوقوف إلى جانبه ودعمه مع تحديد دوره بأنه جيش جمهوري مهمته حماية الوطن (الحدود) واحترام الدستور والخضوع للمؤسسات الدستورية، نحن قلنا أننا لن نسمح لأي كان بالمساس بالجيش، وأكدنا ذلك في بياناتنا الأخيرة... ونرفض إدخاله في صدامات اللعبة السياسية وهو ما نرمي إليه في العقد التوافقي الجمهوري...وما حصل في الجزائر كان نتيجة انتفاضة مشوهة وفي موريتانيا كان نتيجة انقلاب عسكري، وهو ما يمكن استبعاده في تونس أولا بفضل القانون الانتخابي الجديد وفي ظل انتظار حصول توافق في تونس عبر عقد اجتماعي، وهو ما لم يحصل لا في الجزائر ولا في موريتانيا.


حاوره فاضل الطياشي

-