الاثنين، 11 أبريل 2011

المشكل ليس مع الإسلام بل مع سماسرة الإسلام - الطاهر بن حسين -

- من هم الاستئصاليون في تونس؟ إن أول ما يستحق الرد في مقال السيد العويديدي هو اعتباره أن اليسار التونسي يضم استئصاليين. وهنا يجدر التساؤل عن معنى الاستئصال، ذلك أن تعريف هذا المفهوم انزلق بحسب الظرف إلى درجة انه أصبح يستعمل للتضليل. فالاستئصالي هو الذي ينكر على أنصار المشروع الإسلامي، مهما كان، حق التنظم والتعبير والمشاركة في الحياة السياسية وبالتالي المشاركة في إدارة الشؤون العامة. كما أن الاستئصالي هو الذي يرفض أي جدل عقائدي وسياسي مع هؤلاء و يستعمل في سبيل هذا الإقصاء جميع الوسائل السياسية والأمنية والعسكرية. وبهذا المفهوم فان النظام التونسي هو الوحيد في تونس الذي يجوز إعتباره من دعاة وممارسي الاستئصال. أما اليسار التونسي بكل تياراته فهو: يؤمن إيمانا راسخا بحق أنصار المشروع الإسلامي في التنظم والتعبير والمشاركة في الحياة السياسية وحتى في استلام السلطة إذا كان ذلك نابعا عن إرادة شعبية حرة ولكن مع مراعاة بعض الضوابط التي تمنع هذا التيار من "سد الباب أمام الآخرين" فور دخولهم البيت ومن التفويت في المكتسبات الحضارية لمجتمعنا مثل حقوق المرأة وحرية المعتقد والأسس الاقتصادية العصرية ومصدر التشريع الخ... يدين بكل قواه القمع المسلط على أنصار هذا المشروع في تونس ويطالب برفع المظالم المسلطة في حقهم بإطلاق سراح المعتقلين وسن قانون عفو تشريعي عام. ولكن غالبية اليسار تعتبر أيضا أن المشروع الإسلامي مشروعا رجعيا من شأنه أن يعيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلد ولذلك يجب شرح مراميه ومخاطره للرأي العام لكي لا يغـتر بنقاوته المزعومة ويسانده، حتى وإن كان ذلك من باب التعبير عن رفض النظام القائم. هذا هو جوهر موقف اليسار التونسي من دعاة المشروع الإسلامي. وهو أيضا موقف محمد الشرفي الذي سبق وأن عبر عنه بوضوح في العديد من المناسبات وأهمها حواره التلفزيوني في قناة المستقلة في مايو 2001 . كما أنه يعتبر أن أي تحالف سياسي مع أنصار المشروع الإسلامي من شأنه أن يزرع الالتباس في الرأي العام الوطني حول تشابك المشاريع المختلفة في حين أن المطلوب اليوم هو الوضوح التام للتمكين من الاختيار الحر والواعي. فهل يجوز في هذه الحال اعتبار اليسار التونسي استئصاليا؟ طبعا لا. ولكن على غرار غوبلس الذي كان يعتبر أن "الشيوعي الجيد هو الشيوعي الميت" فان دعاة المشروع الإسلامي يعتبرون أن "اليساري الجيد هو اليساري الذي أصبح إسلاميا". وبالعكس فان اليسار التونسي لا يعتبر أن الإسلامي الجيد هو الإسلامي الذي أصبح يساريا بل الإسلامي الذي ينطلق أولا من مصالح وطنه وشعبه ويبحث عن نقاط التلاقي مع الآخرين لتحقيقها، وان كان يستلهم صميم أفكاره ومواقفه من اجتهاده في فهم دينه، ولكن دون محاولة فرض هذا الفهم على الآخرين وتكفيرهم في حالة الرفض. أي مشروع إسلامي؟ ثم يأتي ما يدعو إلى التساؤل عن معنى المشروع الإسلامي إذ أن أهم مٱخذ الكاتب على اليسار هو ما يسميه " تعويق المشروع الإسلامي...". وسبب ذلك هو أن المشروع الإسلامي، بألف ولام التعريف، غير موجود إذ أنه في الواقع يوجد العديد من المشاريع الإسلامية. فإلى أي مشروع إسلامي بالتحديد يدعو الأخ العويديدي؟ فإذا كان مشروعه هو مشروع الأتراك فنحن نعده بأننا لن نعمل إطلاقا على تعويقه بل بالعكس فانه سوف يجد فينا حلفاء أوفياء للعمل معه من أجل دحر الديكتارورية وإرساء الديمقراطية. فما يمنع ذلك طالما أن الحركة الإسلامية التركية تعلن للملأ أنها ليست أصولية وأنها تعمل في ظل دولة علمانية وتلتزم باحترام نظمها كما أنها تؤمن بالتناوب السلمي على السلطة؟ أما إذا كان مشروعه هو مشروع جبهة الإنقاذ الجزائرية وما لف لفها من إرهابيين وأنصاف أئمة، ممن بدأ ينادي "تسقط الديمقراطية" و"الديمقراطية حرام" حال فوزهم في الدورة الأولى من الانتخابات، فإننا فعلا سوف نعمل على تعويقه لأن بذلك يرتهن مستقبل بلادنا وأطفالنا. وللأسف فان كل ما صدر عن حركة النهضة إلى اليوم، يدل على أنها انحازت إلى المشروع الجزائري وليس إلى المشروع التركي. هذا لتركيز الجدل حول مفهوم محدد للمشروع الإسلامي وحصر ردي عليه دون غيره، مع كوني ما زلت أتساءل عن معنى "المشروع الإسلامي" في بلد مسلمين. فهل كنا وثنيين أو مسيحيين قبل ظهور ما يسمى بالحركات الإسلامية؟ وهل حدث فجأة ما يهدد الإسلام في بلدنا حتى ظهرت الحركات الإسلامية لتدافع عليه؟ ولماذا لم تظهر الحركات الإسلامية أيام الاستعمار الأجنبي لتحتل الصدارة في مقاومة المحتل بل كان أغلب روادها ورموزها يتعامل مع المستعمر بإصدار مختلف الفتاوى لصالح التجنيس وغيرها من القضايا الاستعمارية؟ ولا أشك في أن الأخ العويديدي له أجوبه مقنعة على هذه التساؤلات. كلمة حق أريد بها باطل: مقاومة الاستبداد والهيمنة الخارجية لا أحد يجهل اليوم ملابسات ظهور الحركات الأصولية الإسلامية وظروف نشأتها والمصالح التي ظهرت لتعبر عنها والارتباطات الدولية التي ساعدت على نشأتها وتطويرها. وللاختصار أذكره بان كل الباحثين والمؤرخين وحتى المسؤولين السابقين في مختلف الأنظمة العربية، بما فيها تونس، يسندون ظهور الحركات الأصولية الإسلامية إلى الإرادة الأمريكية في التصدي إلى الفكر اليساري التقدمي والشيوعي ومحاربته في البلدان الإسلامية بشكل عام والعربية بشكل خاص. ففي تونس مثلا، هل نسي التسهيلات التي تمتعت بها حركة الاتجاه الإسلامي في بدايتها، من فسح المجال للعمل في المساجد وتأشيرات المجلات وتسامح النظام التونسي بل تشجيعه على ضرب المناضلين اليساريين في الجامعات؟ وهل نسي أن أسامة بن لادن نفسه وتنظيماته العسكرية هي كلها من صنع أمريكي خالص؟ وهل يحاول الأخ العويديدي التمويه على أن كل تمويلات حركته والحركات المشابهة لها تأتي كلها من أتعـس الأنظمة الإسلامية والعربية مثل السعودية والكويت والإمارات والسودان وغيرها؟ مقاومة الشرفي كشخص والتحرج من طرح جوهر الخلاف معه لا يكتب الأصوليون التونسيون سطرا واحدا لنقد اليسار دون مهاجمة الشرفي كشخص متهمينه بجميع التهم الخرقاء ولكنهم يتجنبون دائما التعرض إلى أي من أفكاره. فها هو الشرفي "جاء مع من معه ليعرضوا خدماتهم ويقدموا أنفسهم...". فهل نسي الأخ عويديدي بأنه قبل أن يجيء الشرفي بكثير كان الشيخ راشد يعلن للملأ "ثقتي في الله وفي بن علي". والغريب في ذلك هو أن بن على يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد الله ولم يكن الشعب ولا الأمة في تلك المرتبة. فمن ذا الذي "وقف مع الدولة ضد الأمة"؟ أما جوهر الخلاف مع الشرفي، وما يتحاشى الإسلاميون عرضه للرأي العام، هو أنهم كانوا يطالبون بإبقاء المناهج التعليمية تعلم النشء بأن الإسلام يأمر بضرب المرأة وبتفوق الرجل على المرأة ويأمر بقتل غير المسلم بدعوى الجهاد وبقطع يد السارق ورجم الزانية وتحريم الأسس العصرية للاقتصاد وغيرها من الخرافات الناتجة عن تأويل ظلامي لديننا. فلقد كانوا يقاومون هذا المنهج بشعارات غوغائية تنحصر في إتهام الشرفي بالكفر وبتجفيف المنابع الخ... وكان الأجدر أن يعرضوا بديلهم للرأي العام لكي يحكم عليه أو له، دون الشعارات التي تطمس العقل وتثير المشاعر. وفي الختام أود أن أؤكد للأخ العويديدي باني غير يائس إطلاقا من تطور غالبية الإسلاميين التونسيين، باعتبار محيطهم الثقافي والجغرافي والمكتسبات الحضارية لشعبنا ووطننا وتسارع الأحداث في العالم الذي نعيشه اليوم، نحو التخلي عن نزعاتهم الأصولية ونحو الالتقاء، مع الاحتفاظ بخصوصياتهم، مع مختلف التيارات الديمقراطية الوطنية. وعندما يحصل هذا الالتقاء المنـشود فانه سوف يكون بين ديمقراطيين ينطلقون من قيم التراث الإنساني بما فيه الدين الإسلامي وديمقراطيين ينطلقون في مواقفهم من معتقداتهم الدينية الخاصة ولكن دون اعتبارها هي الدين. وكل ما أرجو هو أن يعتبر هذا الرد وغيره إسهام في بلورة هذا المسار وليس تهجما على أي كان.

ليست هناك تعليقات: