الاثنين، 11 أبريل 2011

الرفيق شكري بلعيد الناطق الرسمي باسم حركة «الوطنيون الديمقراطيون»: نحن إزاء ثورة ذات طبيعة ديمقراطية

-

السؤال الأول: كنتم دائما تمثلون حركة فكرية لها شعارات سياسية أكثر من كونكم حالة تنظيمية فهل ستنظمون حزبا بعد 14 جانفي؟

ـ الجواب : لقد عرف التيار الوطني الديمقراطي حالة من التطور، حيث انطلق من الوسط الطلابي بمبادرة من مجموعة من الطلاب في النصف الثاني من السبعينات، تميز نشاطها بالتركيز على البعد الفكري في إطار تمايزها عن بقية التوجهات الفكرية للتيارات اليسارية الأخرى، ثم تطورت التجربة الطالبية للوطنيين الديمقراطيين في النصف الثاني للثمانينات، فمركزوا ونظموا وجودهم بأن وحدوا أغلب الحلقات المتناثرة داخل الحركة الطلابية تحت عنوان جامع وحالة تنظيمية جديدة بما جعلهم حالة تنظيمية متقدمة، لكنها ظلت أسيرة أفقها القطاعي، ومع خروج أعداد متزايدة منهم لفضاءات وقطاعات أخرى بدأ التفكير في إيجاد صيغ وأطر لتنظيمهم، وابتداء من سنة 1990 تجمع عدد هام من المناضلين في تونس والجهات تحت إمضاء الوطنين الديمقراطيين وتشرفت بأن كنت ناطقا باسمهم، وكان جناحهم الطلابي ممثلا في «الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة» إضافة للعديد من الحلقات والتجارب الأخرى، غير أنه وتحت وطأة القمع الأسود في التسعينات قرروا الاكتفاء بالعمل السري وخوض العمل الجمعياتي والتركيز على ربط الصلة بالجماهير من خلال النقابات والحركة الطلابية، ثم عاد بعد ذلك نشاطهم العلني في سنة 2000 وما بعدها سواء من خلال إصدار البيانات الممضاة أوالمساهمة في تأسيس تحالفات في صفوف اليسار التونسي (بيان 1 ماي 2001) أوالمساهمة في النضالات الديمقراطية (تصديهم لاستفتاء 2002، التشهير بانتخابات 2004 و2009 والدعوة إلى مقاطعتها) أو المساهمة في النضالات الاجتماعية لجماهير الشعب (انتفاضة الحوض المنجمي، الإضرابات القطاعية والجهوية التي أنجزتها النقابات...) أو المساهمة في النضالات الوطنية والقومية (وقوفنا مع العراق ضد العدوان وإسنادنا لمقاومته الوطنية مواجهة زيارة شارون، إسناد شعبنا في لبنان ضد عدوان 2006، إسناد شعبنا في غزة ضد العدوان الأخير)، كما ساهم مناضلونا بفعالية في كل القضايا المتعلقة بالحريات، إذن يتبين مما سبق أن «الوطنيون الديمقراطيون» كانوا يراكمون تجرية تنظيمية سياسية طوال تلك السنوات، غير أن تفجر الانتفاضة الشعبية التي أعقبت حركة الاحتجاج في سيدي بوزيد، وانخراطهم الفعلي فيها وعلى نطاق واسع وتحول تلك الانتفاضة إلى مسار ثورة، فرض تحولهم من تيار فكري سياسي إلى حركة سياسية لها مرجعية فكرية وإطار تنظيمي يتميز بالمرونة والديناميكية، ذلك أن أي تنظيم إنما هو ابن شرطه التاريخي وحاضنته الاجتماعية، فحركة الوطنيون الديمقراطيون هي الابن الشرعي لكل ذلك المسار وتلك المسيرة حيث كان لا بد لهذا التيار الواسع من عنوان سياسي جامع.

السؤال الثاني: لماذا كان موقفكم من الحكومة الحالية ضمن توجه جبهوي ولم نر موقفا خاصا بكم؟

ـ الجواب : كان لحركة «الوطنيون الديمقراطيون» موقفا واضحا عبروا عنه في بيانهم الصادر في 14 جانفي 2011، ووزعوه على الجماهير الثائرة وقبل فرار الدكتاتور طرحوا فيه ضرورة تشكيل حكومة وطنية مؤقتة تتكون من ممثلين عن القوى السياسية والشخصيات المستقلة التي ناضلت ضد الدكتاتورية، وحددنا لها مهامها ممثلة في تصريف الأعمال اليومية والإعداد لانتخابات حرة ديمقراطية لمجلس تأسيسي يكرس السيادة الشعبية ويفرز دستورا ديمقراطيا جديدا، ثم بعد ذلك انخرطنا في عمل جبهوي في إطار جبهة 14 جانفي 2011 ومن ساعتها أصبحت الجبهة هي الإطار الأمثل بالنسبة لنا في التقدم بالموقف السياسي العام الديمقراطي التقدمي من الواقع القائم، وعليه فإن موقفنا من الحكومة الحالية هو موقف الجبهة وهو موقف قاعدة واسعة من النقابيين وهو موقف الروابط والمجالس واللجان الجهوية وهو موقف أحزاب وقوى سياسية خارج الجبهة أيضا، ويتلخص في أن هذه الحكومة منصبة ولا تعكس إرادة شعبية أو توافقا سياسيا وطنيا بل هي محصلة توافق بين بقايا دكتاتورية بن علي وأقلية من القوى الوسطية المهرولة تجمعت وتداعت بتدخل أمريكي أوروبي كثفه تدخل السيد فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكي الذي نجد بصماته قوية في تركيبة هذه الحكومة، ثم أن هذه الحكومة المنصبة إفتتحت عهدها بقمع وحشي للاعتصام السلمي في ساحة الحكومة بالقصبة وبينت هذه الحكومة إنها مجرد واجهة لحكومة خفية حقيقية هي التي تدير الأمور وتكرس محاولة التفاف على الثورة و إعادة إنتاج الدكتاتورية، فما معنى أن يصرح نصف أعضاء الحكومة المنصبة بأنهم لا يعرفون من اتخذ قرار الهجوم على المعتصمين!!؟، إن موقفنا من هذه الحكومة تأسس على ضرورة القطع مع منظومة الاستبداد رجالات وأجهزة ومنظومة قانونية، فلا يمكن بناء تونس الجديدة تونس الديمقراطية بمنظومة قانونية استبدادية وبأجهزة أمنية ( خاصة البوليس السياسي ) معادية للشعب وولائها للدكتاتور وببقاء التجمع الدستوري أداة الدكتاتورية. هذا الأساس هو الذي جعلنا ندعو لانجاز المؤتمر الوطني لحماية الثورة، والمتكون من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات الوطنية المستقلة التي ناضلت ضد الدكتاتور وممثلين عن النقابات والهيئات والمنظمات والجمعيات المستقلة ومندوبين عن اللجان والروابط والمجالس التي تشكلت في الجهات إبان الثورة، هذا المؤتمر هو الذي يتوافق داخله على حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال ويشكل أداة لمراقبتها وإطارا مؤقتا لسد الفراغ السياسي التشريعي بعد حل كل الهيئات التمثيلية الصورية للنظام البائد. إذن نحن قدمنا تصورا سياسيا متكاملا وحددنا له الأداة والآليات. أعتقد أننا كجبهة وكحركة سياسية قدمنا تأسيسا منطقيا وواقعيا لرفضنا لهذه الحكومة المنصبة وقدمنا البديل لها.

السؤال الثالث: هل هنالك مسعى إلى توحيد ما يسمى بأطراف العائلة الوطنية؟

ـ الجواب: نعم هناك مساع عديدة وعلى أكثر من مستوى حيث تمت العديد من النقاشات للتوحد التنظيمي لمن عاشوا تجارب متقاربة، وهناك نقاشات لتوحيد المواقف والتكتيكات العامة حول الوضع الراهن وهو ما تحقق فعليا حيث أن مكونات ما يعرف بالعائلة الوطنية هم أعضاء مؤسسون في جبهة 14 جانفي. كما أن الوجود الوطني الديمقراطي منتشر وواسع ويشمل آلاف الإطارات والكوادر والمناضلين على امتداد البلاد وكل القطاعات، لذلك فإن السعي لإيجاد عنوان سياسي جامع لهم هي إحدى المهمات الأساسية والتي نقدّر أنها تتطلب بعضا من الوقت ومستويات متنوعة من التنظم.

السؤال الرابع: هل إتصلت بكم الحكومة كتيار وماذا كان موقفكم؟

ـ الجواب: نعم إتصلت بنا الحكومة في مناسبتين مرة من طرف أحد المسؤولين بالوزارة الأولى ومرة بواسطة أحد أصدقاء الحركة، وجوابنا كان أننا إتخذنا في جبهة 14 جانفي قرارا يقضي بضرورة التعامل والتشاور والتفاوض مع كل ما تقدمه الحكومة أو غيرها من مكونات الساحة السياسية بصفة جماعية، أي بموقف موحد بإسم الجبهة لذلك كان جوابنا للحكومة ومبعوثيها هو أن تتوجه لجبهة 14 جانفي كإطار سياسي جامع للقوى الديمقراطية التقدمية، والجبهة تفوض ساعتها من يعبر عن موقفها فيما يطرح، أما محاولات شق الجبهة والاتصال ببعض الأطراف دون غيرهم فهو مرفوض من مكونات الجبهة، ثم إن هذه الحكومة كانت تريد من يزكّيها ومن يلعب دور الديكور داخلها لتزيين بقايا الدكتاتورية وإخراجها بمظهر الديمقراطية وهو ما رفضناه ورفضته الجبهة وأغلب القوى السياسية. ولقد كان رفضنا مبنيا على أسس سبق أن وضحناها وليس مجرد رفض للرفض، حيث كنّا قوة اقتراح ومبادرة وساهمنا بفعالية في اللقاءات التي دعى لها الاتحاد العام التونسي للشغل والتي شارك فيها كل مكونات المشهد السياسي التونسي، غير أن السيد محمد الغنوشي ومن ورائه بقايا الدكتاتورية تصر على الالتفاف على الثورة وأهدافها وترفض الاستماع إلى صوت الشعب، ولقد جاءت الأحداث اللاحقة وخاصة منها القمع الوحشي لمعتصمي القصبة والفوضى الأمنية المبرمجة وتحرك الميليشيات في بعض الجهات لتقيم الدليل على صحة موقفنا ولتكشف حقيقة هذه الحكومة.

السؤال الخامس: يعرف عن ممثلي هذه الحركة نضاليتهم داخل القطاعات المهنية والنقابات، فهل يمكن أن تمثل « السكتارية» المهنية عائقا أمام الفعل في المشهد السياسي؟

ـ الجواب: صحيح أن مناضلي حركتنا لعبوا أدوارا متقدمة في النضالات التي خاضتها النقابات والهيئات والجمعيات، لكن ذلك تم في إطار احترامهم لاستقلالية الأطر والهياكل التي يناضلون داخلها واحترام خصوصية تلك المنظمات، لذلك لا نجد تناقضا بين الفعل السياسي في الحراك السياسي العام كحركة سياسية، وبين دور المناضلين في مجالات فعلهم باعتبار انتمائهم لقطاعات اجتماعية مختلفة تأطرها نقابات أو هيئات أو جمعيات، ونحن نعتبر أن احترام استقلالية مكونات المجتمع المدني وعدم تحزيبها يشكل مقوما أساسيا وضمانة فعالة في بناء حياة ديمقراطية حقيقية تشكل فيها هذه المكونات سلطة مضادة.

السؤال السادس: هل يمكن أن نتحدث اليوم عن نظام سياسي في تونس؟ ما هي طبيعة هذا النظام؟ وما هي طبيعة هذه المرحلة التاريخية؟

ـ الجواب: نحن اليوم في مرحلة إنتقال ثوري أنجز فيها الشعب وقواه الحية مهمة أساسية تمثلت في إسقاط الدكتاتور وطرده، ويطرح عليه اليوم المهمة الأساسية الثانية المتمثلة في تفكيك الدكتاتورية رموزا وأجهزة ومنظومة قانونية، إذن نحن إزاء نظام سياسي قديم ينهار دون أن يسقط ونواتات نظام وسلطة جديدين افرزهما نضال الشعب وثورته تتشكل دون أن تحكم، نحن أمام حالة مفارقة أسميناها سلطة ونظام بقايا الدكتاتورية المطعمة ببعض الوسطيين والعاجز عن تحقيق هيمنته وسيطرته وفرض قبول الناس به، تعاني عزلة متزايدة بما يجعلنا في مرحلة سياسية تتميز بازدواجية السلطة، لذلك فإن توصيف النظام السياسي القائم لابد أن يؤخذ في ديناميكية الصراع وممكناته التاريخية ارتباطا بمستوى التعبئة الشعبية وبمستوى تماسك جبهة الثورة وبمستوى حجم وقوة التدخل الأجنبي وبمستوى اتساع أو ضيق قوى الثورة المضادة. كما لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار ما ستؤول إليه الأوضاع الثورية في عموم المنطقة وخاصة في مصر، كل هذه العوامل تشكل أساسا لتفكيك المنظومة السياسية الأمنية القانونية للنظام السابق في اتجاه بناء الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية. إذا نحن إزاء ثورة ذات طبيعة ديمقراطية في بعديها السياسي والاجتماعي بما يفرضه ذلك من بناء تحالف طبقي شعبي واسع في مواجهة البرجوازية الكمبرادورية المستندة أساسا للبيروقراطية الأمنية وتحالف يشمل كل الطبقات والفئات و الشرائح الوطنية المضطهدة التي لها مصلحة في تغيير جذري لبنية النظام السياسي لما يعكس إرادتها ويكرس السيادة الشعبية، لذلك يكتسب إنتخاب المجلس التأسيسي أهمية محورية، لأنه أداة الثورة في القطع مع بنية النظام الدكتاتوري العميل السابق، وأداتها أيضا في بناء مؤسسات النظام الديمقراطي الجديد لتونس الحرة.

جريدة الشروق 5/2/2011

ليست هناك تعليقات: