السبت، 23 أبريل 2011

الرفيق شكري بلعيد: نحن أصحاب مشروع مجتمعي في تونس، وقد غسلنا ذاكرتنا من أي وصاية على الطبقة العاملة والشعب
















برغم الربيع الذي يتباطأ في المجيء إلينا وبرغم تقلب الطقس, يتخلى "الرفيق" شكري بلعيد عن قبعته ويجد لنا الوقت بين عشر هواتف والمقاطعة عدة مرات... تسارع الزمن بعد الثورة والوطنيون الديمقراطيون, الذين يكرهون تسمية خطهم بـ "العائلة الوطنية" لما يفترضه اسم العائلة من صلات أبوة وأمومة وغير ذلك, في قلب الحدث مثل جل الأحزاب وهاهم الآن سيكونون في قلب المدينة بعد تجهيز مقر الحركة الجديد في شارع جمال عبد الناصر... التقينا شكري بلعيد لنتحدث مطولا عن الثورة التونسية وعن الحركة وعن تونس والتونسيين اليوم...

- تتهمون (ويُتهم اليسار الماركسي عموما) بأنكم لا تؤمنون بالديمقراطية الليبرالية وأنكم قادرون على الالتفاف عليها بعد أن تصلوا إلى الحكم بصناديق الاقتراع... مثل تيارات أخرى متهمة بنفس التهمة ؟

* نحن لا نرى الديمقراطية مجرد آلية ولكن نراها بمضامينها... نحن نرى أن التعددية الحزبية والسياسية أصل ثابت لا يمكن المساس به، وأن التنافس الحزبي دافع للتقدم، وأن الشرعية وجب أن تتجدد عن طريق الانتخاب، بل حتى في المجتمع الاشتراكي الناجز نرى بأن الصراع الطبقي يتواصل وبالتالي فوجود الأحزاب ضروري ووجود النقابات المستقلة ضروري ووجود السلطة المضادة مشكلة من نسيج الجمعيات المدنية ضروري ووجود القضاء المستقل والإعلام الحر ضروري وهما ضمانة الضمانات... ذلك أنه في غياب ما سبق فإننا سنؤسس لنظام كلياني آخر. ونحن قطعنا وغسلنا ذاكرتنا من أي وصاية على الطبقة العاملة والشعب. نحن أصحاب مشروع مجتمعي وأصحاب برنامج سياسي استراتيجي ومرحلي نطرحه على الشعب وله أن يختار مع التأكيد أن الديمقراطية الليبرالية تنعدم فيها المساواة بين الفاعلين السياسيين مما يجعلها مبتورة ورهينة للمال السياسي وهو ما يشوه النظام الديمقراطي الحقيقي للمجتمع...

كما ترى على المستوى السياسي، نتناقض كليا مع كل المنظومات الكليانية يمينا ويسارا، ولعل في إرجاع الأمر إلى أصله المعرفي لدينا (أن أساس الوجود هو الحركة وأساس الحركة الصراع وأساس الصراع التعدد) ما يؤسس دائما لمواقفنا من الديمقراطية...

فنحن لا نرى الديمقراطية نتيجة لقرار سياسي أعزل، بل هي نتاج لمسار وصيرورة، كما أنها ترتبط بشرط تاريخي دولي وموازين قوى لا يمكن الحديث عن فك الارتباط الذي نادى به البعض، لكي تقوم به بلدان صغيرة مثل تونس في ظل اقتصاد رأسمالي معولم وذلك لا يؤدي إلا لتعميم الفقر.

- ما تقييمكم لعمل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، ولمشاركتكم في أعمال مجلسها؟

* بعد أن أنجزت مشروع القانون الانتخابي للمجلس التأسيسي، تدخل الهيئة في تقديرنا طورا على غاية من الأهمية يتمثل في مناقشة ما أسمته حركتنا "العقد التأسيسي الجمهوري"، وهي مهمة تطرح على الهيئة باعتبارها إطارا لتنظيم الصراع والحوار بين مختلف الفاعلين السياسيين والجمعياتيين، وهذه المرة يتعلق الموضوع ببلورة توافقات وطنية أساسية تؤسس لإطار جامع، لمواطنة جديدة لتونس ما بعد الثورة .

ذلك أن كل تحول سياسي جذري يستتبعه ضرورة عقد اجتماعي جديد يعبر عنه ويشكل ضمانا للخروج من ثقافة الاحتراب والعنف إلى ثقافة التوافق والتعاقد وإدارة الصراعات.

وفي هذا الإطار طرحنا كحركة مشروعنا الذي نشترك في جزء هام منه مع بقية التيارات والمشاريع والمبادرات المقدمة، لكننا نختلف معها في طرحنا آلية إلزامية وضمانات. فلا يكفي من وجهة نظرنا إعلان النوايا حول مدنية الدولة واحترام مكاسب المرأة ومدنية التعليم ووحدة القضاء، ولا يكفي الحديث عن فصل الدين عن الدولة وعن حرية المعتقد بل المهم في تقديرنا هو كيف تتحول مجمل هذه القيم إلى إطار جامع وملزم، لذلك طرحنا فكرة أن العقد التأسيسي الجمهوري وجب أن تصادق عليه كل الأطراف والقوى السياسية وكل مكونات المجتمع المدني، ويلتزم به كل مرشح للمجلس التأسيسي، وأن يكون هذا الالتزام شرط صحة في قبول الترشح، وأن يكون إطارا يضبط الخطاب الانتخابي حتى لا يتناقض خطاب أي طرف مع التزامه بما في العقد...

نحن نرى أن فحوى العقد الجمهوري يجب أن يضمّن صلب الدستور وفي ديباجته ويكون بذلك إطارا تفسيريا لكل نصوص الدستور كما حصل في توطئة دستور 1946 للجمهورية الرابعة في فرنسا، والذي ضمن كما هو صلب دستور 4 أكتوبر 1958 للجمهورية الخامسة واعتبره فقهاء القانون ومجلس الدولة والمجلس الدستوري الفرنسي سلطة مرجعية لبقية النصوص وفصول الدستور..

- ولكن هناك من الأحزاب من يرفض الطابع الإلزامي لهذا العقد ؟

* الأحزاب التي ترفض الإلزامية أحزاب ذات خطاب مزدوج واستراتيجيات مخاتلة وترى في الديمقراطية مجرد آلية، وترفض التوافق الوطني وتؤسس بالتالي للاحتراب الأهلي. ثم إننا قد رأينا هذه القوى وهي في حالة ضعفها تقدم على كل التنازلات على مستوى الخطاب، وعندما حصل لها وهم التمكن كشرت عن أنيابها للانقضاض، متناسية أن الشعب بثورته وبمراكمته للنضالات لن تنطلي عليه حيل الخطاب المزدوج... لقد دقت ساعة الحقيقة ولعل في التراجعات الأخيرة في الهيئة لمن كان رافضا بالأمس مجرد المناقشة دليل على ما يمكن أن يحصل لمن يسير ضد الإرادة الشعبية ...

- ويطرح البعض ضرورة الاستفتاء الشعبي على العقد ؟

* نعم للاستفتاء وليكن ذلك قبل انتخابات المجلس التأسيسي حتى توضح أمور كثيرة في هذه الانتخابات .

- جبهة 14 جانفي كأنما بدأت تترنح منذ بداية العمل في الهيئة العليا، هل ذهبت الجبهة مع لحظتها التاريخية؟

* الجبهة تمر بوضع دقيق وعليها أن تحسم أمرها. لقد طرحنا من جهتنا ورقة عمل تتعلق بهيكلتها، حيث نرى ضرورة أن تبعث الجبهة فروعا لها في الجهات، وأن تنفتح على كل الطاقات، وأن تكون لها القدرة الحقيقية على المبادرة السياسية والميدانية والمرتبطة بالمرحلة القادمة وعلى رأسها الانتخابات للمجلس التأسيسي...

- هل أضر الدخول للهيئة بالتحالفات داخل الجبهة؟

* في حقيقة الأمر التحالف السياسي لا يلغي مطلقا استقلالية القرار وحرية حركة الأحزاب.
نحن كحركة كنا من أكثر الملتزمين بتعهداتنا داخل الجبهة، وفي نفس اللحظة أدرنا الصراع وفقا لخطنا التكتيكي، ولا يمكن أن نرتهن لشطحات بعض الفعاليات (الماقبلسياسية)، فالمسألة اليوم في دخولنا أو عدمه هي التصور لتكتيك إدارة الصراع، ولعل المتمعن في ما أنجزناه بدخولنا للهيئة من إعادة تركيبتها وتوسيعها إلى بلورة عقد تأسيسي جمهوري، كلها شواهد تؤكد صحة التمشي الذي اخترناه...

- الخط الوطني الديمقراطي لا يزال مشتتا بين حركة وحزب ومناضلين متفرقين؟

* في ما يتعلق بوحدة الخط نقدّر أننا قطعنا خطوات هامة تتمثل في :
أ‌- فتح حوار واسع مع كل مكونات التيار الوطني الديمقراطي المنظّمين وغير المنظّمين، من أجل بناء عنوان سياسي جامع.
ب‌- طرحنا أساسا سياسيا لهذا الحوار وتلك الوحدة، لان المرحلة سياسية بامتياز، وتتطلب أداة جامعة تحقق فعالية الوجود الوطني الديمقراطي في الساحة.
ت‌- قطعنا مع منطق الوحدة الصماء والتنظيم الحديدي وكل ما يحيل على ثقافة الاستبداد وآلياته، ولذلك كان مشروع الوحدة ديناميكيا ومتعددا وديمقراطيا.
ث‌- بقدر ما لعبت حركة الوطنيون الديمقراطيون وحزب العمل الوطني الديمقراطي دورا أساسيا في هذه الوحدة، كانت مساهمة الكفاءات غير المنتظمة فعّالة وايجابية.
ج‌- أطرنا مشروع الوحدة بهيكلة تقوم على تشريك كل المناضلين والمناضلات في الجهات والقطاعات وعلى قدم المساواة في اتخاذ القرار وتنفيذه...

- على ذكر الجهات، فإن العديدين من مناضلي اليسار يتساءلون عن حضوركم في الجهات وعملكم في الداخل؟؟؟

* حضور حركتنا في الجهات حضور مهم وينقسم إلى قسمين: فهناك جهات لنا فيها حضور معلن عبر مقرات وجهات أخرى كان حضورنا فيها عبر مناضلينا ومناضلاتنا، ولكني أؤكد إننا متواجدون بهذه الصيغة أو تلك في كل ولايات الجمهورية مع اختلاف في الحجم والتأثير من ولاية إلى أخرى.. وقد قمنا باجتماعات عامة في عديد المدن الداخلية ولكن كان الإعلام غائبا...
وقد غاب الإعلام عن تغطية نشاطنا لسببين، أولهما أن الإعلام الوطني (وخاصة الإذاعة والتلفزة ووكالة الأنباء الوطنية) مازال موجها ومازال في مفاصله الكبرى تحت سيطرة رجالات وممارسات العهد السابق، ومن جهة ثانية فلا ينبغي أن نخفي القصور الذاتي الكبير لأننا لم نتعود بعد على آليات التعاطي مع الإعلام في ظل الوجود العلني والقانوني، ونشير إلى أنه بالرغم عن هذه الوضعية فإن الإعلام البديل والحديث خاصة عبر الشبكات الاجتماعية شكل آلية فعالة في تلافي بعض النقائص...

- يخاف رأس المال الوطني من الطرح اليساري كما يخافه الرأسمال الأجنبي فبماذا تعدون ؟

*لقد طرحت حركتنا أولوياتها بكل وضوح في هذا الجانب لتفادي المغالطات... فنحن نرى أن الثورة قد حررت رأس المال الوطني من العائلات المافيوزية وحررته من البيروقراطية ومن التسلط الجبائي ومن التمييز الديواني، إذن فقد آن الأوان لرأس المال أن يخرج من تردده وأن يشارك في الاستثمار، ونحن نرى ضرورة توفير الحوافز والامتيازات لكل من يستثمر طبقا لأولويات وطنية تتمثل في :

• الاستثمار في المناطق المحرومة.

• الاستثمار في القطاعات والمشاريع ذات التشغيلية العالية وغير الهشة.

• الدولة تتحمل مسؤولية كاملة في توفير الإطار التشريعي والبنى التحتية اللازمة لتطوير الاستثمارات.

أما بخصوص الاستثمارات الأجنبية فهنالك حاجة ملحة لها في القطاعات ذات التكنولوجيات المتطورة، التي تحقق العمالة العالية الكفاءة، ونقل التكنولوجيا، وكل من يحترم هذه الأولويات مرحب به لأنه يخدم الاقتصاد الوطني مع التأكيد طبعا على احترام القانون وحقوق العمال وأساسا الحق النقابي...

إننا في حركة الوطنيون الديمقراطيون لا نرى نجاحا حقيقيا في هذا الميدان دون شراكة أساسية بين الدولة والرأسمال الوطني طبقا لخطط وبرامج مرحلية، لأن ضعف دورة رأس المال في تونس لا تزال تجعل من تدخل الدولة في قطاعات إستراتيجية ضرورة مؤكدة، تحفظ التوازن وتبرز الطابع الاجتماعي التعديلي الذي لا يرى في الأجير أجيرا فحسب دون اعتبار لدوره كمستهلك ومنشط للدورة الإنتاجية ...

- وبخصوص السياحة وهي التي تشكل قطاعا مهما في تونس؟

* برغم أنه من القطاعات الهشة في رأينا، فإن القطاع السياحي ضروري لاعتبارين اثنين: أولهما اعتبار اقتصادي، فالسياحة تشغّل مالا يقل عن مليون و200 ألف تونسي مباشرة وغير مباشرة، وهي أحد أكبر مواردنا من العملة الصعبة. أما الاعتبار الثاني فهو اعتبار حضاري وثقافي يعكس الشخصية الوطنية التونسية المتجذّرة في تاريخها دون تعصب أو مذهبية والمنفتحة على الثقافة الإنسانية والمتوسطية بالخصوص ...

الاثنين، 11 أبريل 2011

الرفيق شكري بلعيد الناطق الرسمي باسم حركة «الوطنيون الديمقراطيون»: نحن إزاء ثورة ذات طبيعة ديمقراطية

-

السؤال الأول: كنتم دائما تمثلون حركة فكرية لها شعارات سياسية أكثر من كونكم حالة تنظيمية فهل ستنظمون حزبا بعد 14 جانفي؟

ـ الجواب : لقد عرف التيار الوطني الديمقراطي حالة من التطور، حيث انطلق من الوسط الطلابي بمبادرة من مجموعة من الطلاب في النصف الثاني من السبعينات، تميز نشاطها بالتركيز على البعد الفكري في إطار تمايزها عن بقية التوجهات الفكرية للتيارات اليسارية الأخرى، ثم تطورت التجربة الطالبية للوطنيين الديمقراطيين في النصف الثاني للثمانينات، فمركزوا ونظموا وجودهم بأن وحدوا أغلب الحلقات المتناثرة داخل الحركة الطلابية تحت عنوان جامع وحالة تنظيمية جديدة بما جعلهم حالة تنظيمية متقدمة، لكنها ظلت أسيرة أفقها القطاعي، ومع خروج أعداد متزايدة منهم لفضاءات وقطاعات أخرى بدأ التفكير في إيجاد صيغ وأطر لتنظيمهم، وابتداء من سنة 1990 تجمع عدد هام من المناضلين في تونس والجهات تحت إمضاء الوطنين الديمقراطيين وتشرفت بأن كنت ناطقا باسمهم، وكان جناحهم الطلابي ممثلا في «الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة» إضافة للعديد من الحلقات والتجارب الأخرى، غير أنه وتحت وطأة القمع الأسود في التسعينات قرروا الاكتفاء بالعمل السري وخوض العمل الجمعياتي والتركيز على ربط الصلة بالجماهير من خلال النقابات والحركة الطلابية، ثم عاد بعد ذلك نشاطهم العلني في سنة 2000 وما بعدها سواء من خلال إصدار البيانات الممضاة أوالمساهمة في تأسيس تحالفات في صفوف اليسار التونسي (بيان 1 ماي 2001) أوالمساهمة في النضالات الديمقراطية (تصديهم لاستفتاء 2002، التشهير بانتخابات 2004 و2009 والدعوة إلى مقاطعتها) أو المساهمة في النضالات الاجتماعية لجماهير الشعب (انتفاضة الحوض المنجمي، الإضرابات القطاعية والجهوية التي أنجزتها النقابات...) أو المساهمة في النضالات الوطنية والقومية (وقوفنا مع العراق ضد العدوان وإسنادنا لمقاومته الوطنية مواجهة زيارة شارون، إسناد شعبنا في لبنان ضد عدوان 2006، إسناد شعبنا في غزة ضد العدوان الأخير)، كما ساهم مناضلونا بفعالية في كل القضايا المتعلقة بالحريات، إذن يتبين مما سبق أن «الوطنيون الديمقراطيون» كانوا يراكمون تجرية تنظيمية سياسية طوال تلك السنوات، غير أن تفجر الانتفاضة الشعبية التي أعقبت حركة الاحتجاج في سيدي بوزيد، وانخراطهم الفعلي فيها وعلى نطاق واسع وتحول تلك الانتفاضة إلى مسار ثورة، فرض تحولهم من تيار فكري سياسي إلى حركة سياسية لها مرجعية فكرية وإطار تنظيمي يتميز بالمرونة والديناميكية، ذلك أن أي تنظيم إنما هو ابن شرطه التاريخي وحاضنته الاجتماعية، فحركة الوطنيون الديمقراطيون هي الابن الشرعي لكل ذلك المسار وتلك المسيرة حيث كان لا بد لهذا التيار الواسع من عنوان سياسي جامع.

السؤال الثاني: لماذا كان موقفكم من الحكومة الحالية ضمن توجه جبهوي ولم نر موقفا خاصا بكم؟

ـ الجواب : كان لحركة «الوطنيون الديمقراطيون» موقفا واضحا عبروا عنه في بيانهم الصادر في 14 جانفي 2011، ووزعوه على الجماهير الثائرة وقبل فرار الدكتاتور طرحوا فيه ضرورة تشكيل حكومة وطنية مؤقتة تتكون من ممثلين عن القوى السياسية والشخصيات المستقلة التي ناضلت ضد الدكتاتورية، وحددنا لها مهامها ممثلة في تصريف الأعمال اليومية والإعداد لانتخابات حرة ديمقراطية لمجلس تأسيسي يكرس السيادة الشعبية ويفرز دستورا ديمقراطيا جديدا، ثم بعد ذلك انخرطنا في عمل جبهوي في إطار جبهة 14 جانفي 2011 ومن ساعتها أصبحت الجبهة هي الإطار الأمثل بالنسبة لنا في التقدم بالموقف السياسي العام الديمقراطي التقدمي من الواقع القائم، وعليه فإن موقفنا من الحكومة الحالية هو موقف الجبهة وهو موقف قاعدة واسعة من النقابيين وهو موقف الروابط والمجالس واللجان الجهوية وهو موقف أحزاب وقوى سياسية خارج الجبهة أيضا، ويتلخص في أن هذه الحكومة منصبة ولا تعكس إرادة شعبية أو توافقا سياسيا وطنيا بل هي محصلة توافق بين بقايا دكتاتورية بن علي وأقلية من القوى الوسطية المهرولة تجمعت وتداعت بتدخل أمريكي أوروبي كثفه تدخل السيد فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكي الذي نجد بصماته قوية في تركيبة هذه الحكومة، ثم أن هذه الحكومة المنصبة إفتتحت عهدها بقمع وحشي للاعتصام السلمي في ساحة الحكومة بالقصبة وبينت هذه الحكومة إنها مجرد واجهة لحكومة خفية حقيقية هي التي تدير الأمور وتكرس محاولة التفاف على الثورة و إعادة إنتاج الدكتاتورية، فما معنى أن يصرح نصف أعضاء الحكومة المنصبة بأنهم لا يعرفون من اتخذ قرار الهجوم على المعتصمين!!؟، إن موقفنا من هذه الحكومة تأسس على ضرورة القطع مع منظومة الاستبداد رجالات وأجهزة ومنظومة قانونية، فلا يمكن بناء تونس الجديدة تونس الديمقراطية بمنظومة قانونية استبدادية وبأجهزة أمنية ( خاصة البوليس السياسي ) معادية للشعب وولائها للدكتاتور وببقاء التجمع الدستوري أداة الدكتاتورية. هذا الأساس هو الذي جعلنا ندعو لانجاز المؤتمر الوطني لحماية الثورة، والمتكون من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات الوطنية المستقلة التي ناضلت ضد الدكتاتور وممثلين عن النقابات والهيئات والمنظمات والجمعيات المستقلة ومندوبين عن اللجان والروابط والمجالس التي تشكلت في الجهات إبان الثورة، هذا المؤتمر هو الذي يتوافق داخله على حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال ويشكل أداة لمراقبتها وإطارا مؤقتا لسد الفراغ السياسي التشريعي بعد حل كل الهيئات التمثيلية الصورية للنظام البائد. إذن نحن قدمنا تصورا سياسيا متكاملا وحددنا له الأداة والآليات. أعتقد أننا كجبهة وكحركة سياسية قدمنا تأسيسا منطقيا وواقعيا لرفضنا لهذه الحكومة المنصبة وقدمنا البديل لها.

السؤال الثالث: هل هنالك مسعى إلى توحيد ما يسمى بأطراف العائلة الوطنية؟

ـ الجواب: نعم هناك مساع عديدة وعلى أكثر من مستوى حيث تمت العديد من النقاشات للتوحد التنظيمي لمن عاشوا تجارب متقاربة، وهناك نقاشات لتوحيد المواقف والتكتيكات العامة حول الوضع الراهن وهو ما تحقق فعليا حيث أن مكونات ما يعرف بالعائلة الوطنية هم أعضاء مؤسسون في جبهة 14 جانفي. كما أن الوجود الوطني الديمقراطي منتشر وواسع ويشمل آلاف الإطارات والكوادر والمناضلين على امتداد البلاد وكل القطاعات، لذلك فإن السعي لإيجاد عنوان سياسي جامع لهم هي إحدى المهمات الأساسية والتي نقدّر أنها تتطلب بعضا من الوقت ومستويات متنوعة من التنظم.

السؤال الرابع: هل إتصلت بكم الحكومة كتيار وماذا كان موقفكم؟

ـ الجواب: نعم إتصلت بنا الحكومة في مناسبتين مرة من طرف أحد المسؤولين بالوزارة الأولى ومرة بواسطة أحد أصدقاء الحركة، وجوابنا كان أننا إتخذنا في جبهة 14 جانفي قرارا يقضي بضرورة التعامل والتشاور والتفاوض مع كل ما تقدمه الحكومة أو غيرها من مكونات الساحة السياسية بصفة جماعية، أي بموقف موحد بإسم الجبهة لذلك كان جوابنا للحكومة ومبعوثيها هو أن تتوجه لجبهة 14 جانفي كإطار سياسي جامع للقوى الديمقراطية التقدمية، والجبهة تفوض ساعتها من يعبر عن موقفها فيما يطرح، أما محاولات شق الجبهة والاتصال ببعض الأطراف دون غيرهم فهو مرفوض من مكونات الجبهة، ثم إن هذه الحكومة كانت تريد من يزكّيها ومن يلعب دور الديكور داخلها لتزيين بقايا الدكتاتورية وإخراجها بمظهر الديمقراطية وهو ما رفضناه ورفضته الجبهة وأغلب القوى السياسية. ولقد كان رفضنا مبنيا على أسس سبق أن وضحناها وليس مجرد رفض للرفض، حيث كنّا قوة اقتراح ومبادرة وساهمنا بفعالية في اللقاءات التي دعى لها الاتحاد العام التونسي للشغل والتي شارك فيها كل مكونات المشهد السياسي التونسي، غير أن السيد محمد الغنوشي ومن ورائه بقايا الدكتاتورية تصر على الالتفاف على الثورة وأهدافها وترفض الاستماع إلى صوت الشعب، ولقد جاءت الأحداث اللاحقة وخاصة منها القمع الوحشي لمعتصمي القصبة والفوضى الأمنية المبرمجة وتحرك الميليشيات في بعض الجهات لتقيم الدليل على صحة موقفنا ولتكشف حقيقة هذه الحكومة.

السؤال الخامس: يعرف عن ممثلي هذه الحركة نضاليتهم داخل القطاعات المهنية والنقابات، فهل يمكن أن تمثل « السكتارية» المهنية عائقا أمام الفعل في المشهد السياسي؟

ـ الجواب: صحيح أن مناضلي حركتنا لعبوا أدوارا متقدمة في النضالات التي خاضتها النقابات والهيئات والجمعيات، لكن ذلك تم في إطار احترامهم لاستقلالية الأطر والهياكل التي يناضلون داخلها واحترام خصوصية تلك المنظمات، لذلك لا نجد تناقضا بين الفعل السياسي في الحراك السياسي العام كحركة سياسية، وبين دور المناضلين في مجالات فعلهم باعتبار انتمائهم لقطاعات اجتماعية مختلفة تأطرها نقابات أو هيئات أو جمعيات، ونحن نعتبر أن احترام استقلالية مكونات المجتمع المدني وعدم تحزيبها يشكل مقوما أساسيا وضمانة فعالة في بناء حياة ديمقراطية حقيقية تشكل فيها هذه المكونات سلطة مضادة.

السؤال السادس: هل يمكن أن نتحدث اليوم عن نظام سياسي في تونس؟ ما هي طبيعة هذا النظام؟ وما هي طبيعة هذه المرحلة التاريخية؟

ـ الجواب: نحن اليوم في مرحلة إنتقال ثوري أنجز فيها الشعب وقواه الحية مهمة أساسية تمثلت في إسقاط الدكتاتور وطرده، ويطرح عليه اليوم المهمة الأساسية الثانية المتمثلة في تفكيك الدكتاتورية رموزا وأجهزة ومنظومة قانونية، إذن نحن إزاء نظام سياسي قديم ينهار دون أن يسقط ونواتات نظام وسلطة جديدين افرزهما نضال الشعب وثورته تتشكل دون أن تحكم، نحن أمام حالة مفارقة أسميناها سلطة ونظام بقايا الدكتاتورية المطعمة ببعض الوسطيين والعاجز عن تحقيق هيمنته وسيطرته وفرض قبول الناس به، تعاني عزلة متزايدة بما يجعلنا في مرحلة سياسية تتميز بازدواجية السلطة، لذلك فإن توصيف النظام السياسي القائم لابد أن يؤخذ في ديناميكية الصراع وممكناته التاريخية ارتباطا بمستوى التعبئة الشعبية وبمستوى تماسك جبهة الثورة وبمستوى حجم وقوة التدخل الأجنبي وبمستوى اتساع أو ضيق قوى الثورة المضادة. كما لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار ما ستؤول إليه الأوضاع الثورية في عموم المنطقة وخاصة في مصر، كل هذه العوامل تشكل أساسا لتفكيك المنظومة السياسية الأمنية القانونية للنظام السابق في اتجاه بناء الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية. إذا نحن إزاء ثورة ذات طبيعة ديمقراطية في بعديها السياسي والاجتماعي بما يفرضه ذلك من بناء تحالف طبقي شعبي واسع في مواجهة البرجوازية الكمبرادورية المستندة أساسا للبيروقراطية الأمنية وتحالف يشمل كل الطبقات والفئات و الشرائح الوطنية المضطهدة التي لها مصلحة في تغيير جذري لبنية النظام السياسي لما يعكس إرادتها ويكرس السيادة الشعبية، لذلك يكتسب إنتخاب المجلس التأسيسي أهمية محورية، لأنه أداة الثورة في القطع مع بنية النظام الدكتاتوري العميل السابق، وأداتها أيضا في بناء مؤسسات النظام الديمقراطي الجديد لتونس الحرة.

جريدة الشروق 5/2/2011

المشكل ليس مع الإسلام بل مع سماسرة الإسلام - الطاهر بن حسين -

- من هم الاستئصاليون في تونس؟ إن أول ما يستحق الرد في مقال السيد العويديدي هو اعتباره أن اليسار التونسي يضم استئصاليين. وهنا يجدر التساؤل عن معنى الاستئصال، ذلك أن تعريف هذا المفهوم انزلق بحسب الظرف إلى درجة انه أصبح يستعمل للتضليل. فالاستئصالي هو الذي ينكر على أنصار المشروع الإسلامي، مهما كان، حق التنظم والتعبير والمشاركة في الحياة السياسية وبالتالي المشاركة في إدارة الشؤون العامة. كما أن الاستئصالي هو الذي يرفض أي جدل عقائدي وسياسي مع هؤلاء و يستعمل في سبيل هذا الإقصاء جميع الوسائل السياسية والأمنية والعسكرية. وبهذا المفهوم فان النظام التونسي هو الوحيد في تونس الذي يجوز إعتباره من دعاة وممارسي الاستئصال. أما اليسار التونسي بكل تياراته فهو: يؤمن إيمانا راسخا بحق أنصار المشروع الإسلامي في التنظم والتعبير والمشاركة في الحياة السياسية وحتى في استلام السلطة إذا كان ذلك نابعا عن إرادة شعبية حرة ولكن مع مراعاة بعض الضوابط التي تمنع هذا التيار من "سد الباب أمام الآخرين" فور دخولهم البيت ومن التفويت في المكتسبات الحضارية لمجتمعنا مثل حقوق المرأة وحرية المعتقد والأسس الاقتصادية العصرية ومصدر التشريع الخ... يدين بكل قواه القمع المسلط على أنصار هذا المشروع في تونس ويطالب برفع المظالم المسلطة في حقهم بإطلاق سراح المعتقلين وسن قانون عفو تشريعي عام. ولكن غالبية اليسار تعتبر أيضا أن المشروع الإسلامي مشروعا رجعيا من شأنه أن يعيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلد ولذلك يجب شرح مراميه ومخاطره للرأي العام لكي لا يغـتر بنقاوته المزعومة ويسانده، حتى وإن كان ذلك من باب التعبير عن رفض النظام القائم. هذا هو جوهر موقف اليسار التونسي من دعاة المشروع الإسلامي. وهو أيضا موقف محمد الشرفي الذي سبق وأن عبر عنه بوضوح في العديد من المناسبات وأهمها حواره التلفزيوني في قناة المستقلة في مايو 2001 . كما أنه يعتبر أن أي تحالف سياسي مع أنصار المشروع الإسلامي من شأنه أن يزرع الالتباس في الرأي العام الوطني حول تشابك المشاريع المختلفة في حين أن المطلوب اليوم هو الوضوح التام للتمكين من الاختيار الحر والواعي. فهل يجوز في هذه الحال اعتبار اليسار التونسي استئصاليا؟ طبعا لا. ولكن على غرار غوبلس الذي كان يعتبر أن "الشيوعي الجيد هو الشيوعي الميت" فان دعاة المشروع الإسلامي يعتبرون أن "اليساري الجيد هو اليساري الذي أصبح إسلاميا". وبالعكس فان اليسار التونسي لا يعتبر أن الإسلامي الجيد هو الإسلامي الذي أصبح يساريا بل الإسلامي الذي ينطلق أولا من مصالح وطنه وشعبه ويبحث عن نقاط التلاقي مع الآخرين لتحقيقها، وان كان يستلهم صميم أفكاره ومواقفه من اجتهاده في فهم دينه، ولكن دون محاولة فرض هذا الفهم على الآخرين وتكفيرهم في حالة الرفض. أي مشروع إسلامي؟ ثم يأتي ما يدعو إلى التساؤل عن معنى المشروع الإسلامي إذ أن أهم مٱخذ الكاتب على اليسار هو ما يسميه " تعويق المشروع الإسلامي...". وسبب ذلك هو أن المشروع الإسلامي، بألف ولام التعريف، غير موجود إذ أنه في الواقع يوجد العديد من المشاريع الإسلامية. فإلى أي مشروع إسلامي بالتحديد يدعو الأخ العويديدي؟ فإذا كان مشروعه هو مشروع الأتراك فنحن نعده بأننا لن نعمل إطلاقا على تعويقه بل بالعكس فانه سوف يجد فينا حلفاء أوفياء للعمل معه من أجل دحر الديكتارورية وإرساء الديمقراطية. فما يمنع ذلك طالما أن الحركة الإسلامية التركية تعلن للملأ أنها ليست أصولية وأنها تعمل في ظل دولة علمانية وتلتزم باحترام نظمها كما أنها تؤمن بالتناوب السلمي على السلطة؟ أما إذا كان مشروعه هو مشروع جبهة الإنقاذ الجزائرية وما لف لفها من إرهابيين وأنصاف أئمة، ممن بدأ ينادي "تسقط الديمقراطية" و"الديمقراطية حرام" حال فوزهم في الدورة الأولى من الانتخابات، فإننا فعلا سوف نعمل على تعويقه لأن بذلك يرتهن مستقبل بلادنا وأطفالنا. وللأسف فان كل ما صدر عن حركة النهضة إلى اليوم، يدل على أنها انحازت إلى المشروع الجزائري وليس إلى المشروع التركي. هذا لتركيز الجدل حول مفهوم محدد للمشروع الإسلامي وحصر ردي عليه دون غيره، مع كوني ما زلت أتساءل عن معنى "المشروع الإسلامي" في بلد مسلمين. فهل كنا وثنيين أو مسيحيين قبل ظهور ما يسمى بالحركات الإسلامية؟ وهل حدث فجأة ما يهدد الإسلام في بلدنا حتى ظهرت الحركات الإسلامية لتدافع عليه؟ ولماذا لم تظهر الحركات الإسلامية أيام الاستعمار الأجنبي لتحتل الصدارة في مقاومة المحتل بل كان أغلب روادها ورموزها يتعامل مع المستعمر بإصدار مختلف الفتاوى لصالح التجنيس وغيرها من القضايا الاستعمارية؟ ولا أشك في أن الأخ العويديدي له أجوبه مقنعة على هذه التساؤلات. كلمة حق أريد بها باطل: مقاومة الاستبداد والهيمنة الخارجية لا أحد يجهل اليوم ملابسات ظهور الحركات الأصولية الإسلامية وظروف نشأتها والمصالح التي ظهرت لتعبر عنها والارتباطات الدولية التي ساعدت على نشأتها وتطويرها. وللاختصار أذكره بان كل الباحثين والمؤرخين وحتى المسؤولين السابقين في مختلف الأنظمة العربية، بما فيها تونس، يسندون ظهور الحركات الأصولية الإسلامية إلى الإرادة الأمريكية في التصدي إلى الفكر اليساري التقدمي والشيوعي ومحاربته في البلدان الإسلامية بشكل عام والعربية بشكل خاص. ففي تونس مثلا، هل نسي التسهيلات التي تمتعت بها حركة الاتجاه الإسلامي في بدايتها، من فسح المجال للعمل في المساجد وتأشيرات المجلات وتسامح النظام التونسي بل تشجيعه على ضرب المناضلين اليساريين في الجامعات؟ وهل نسي أن أسامة بن لادن نفسه وتنظيماته العسكرية هي كلها من صنع أمريكي خالص؟ وهل يحاول الأخ العويديدي التمويه على أن كل تمويلات حركته والحركات المشابهة لها تأتي كلها من أتعـس الأنظمة الإسلامية والعربية مثل السعودية والكويت والإمارات والسودان وغيرها؟ مقاومة الشرفي كشخص والتحرج من طرح جوهر الخلاف معه لا يكتب الأصوليون التونسيون سطرا واحدا لنقد اليسار دون مهاجمة الشرفي كشخص متهمينه بجميع التهم الخرقاء ولكنهم يتجنبون دائما التعرض إلى أي من أفكاره. فها هو الشرفي "جاء مع من معه ليعرضوا خدماتهم ويقدموا أنفسهم...". فهل نسي الأخ عويديدي بأنه قبل أن يجيء الشرفي بكثير كان الشيخ راشد يعلن للملأ "ثقتي في الله وفي بن علي". والغريب في ذلك هو أن بن على يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد الله ولم يكن الشعب ولا الأمة في تلك المرتبة. فمن ذا الذي "وقف مع الدولة ضد الأمة"؟ أما جوهر الخلاف مع الشرفي، وما يتحاشى الإسلاميون عرضه للرأي العام، هو أنهم كانوا يطالبون بإبقاء المناهج التعليمية تعلم النشء بأن الإسلام يأمر بضرب المرأة وبتفوق الرجل على المرأة ويأمر بقتل غير المسلم بدعوى الجهاد وبقطع يد السارق ورجم الزانية وتحريم الأسس العصرية للاقتصاد وغيرها من الخرافات الناتجة عن تأويل ظلامي لديننا. فلقد كانوا يقاومون هذا المنهج بشعارات غوغائية تنحصر في إتهام الشرفي بالكفر وبتجفيف المنابع الخ... وكان الأجدر أن يعرضوا بديلهم للرأي العام لكي يحكم عليه أو له، دون الشعارات التي تطمس العقل وتثير المشاعر. وفي الختام أود أن أؤكد للأخ العويديدي باني غير يائس إطلاقا من تطور غالبية الإسلاميين التونسيين، باعتبار محيطهم الثقافي والجغرافي والمكتسبات الحضارية لشعبنا ووطننا وتسارع الأحداث في العالم الذي نعيشه اليوم، نحو التخلي عن نزعاتهم الأصولية ونحو الالتقاء، مع الاحتفاظ بخصوصياتهم، مع مختلف التيارات الديمقراطية الوطنية. وعندما يحصل هذا الالتقاء المنـشود فانه سوف يكون بين ديمقراطيين ينطلقون من قيم التراث الإنساني بما فيه الدين الإسلامي وديمقراطيين ينطلقون في مواقفهم من معتقداتهم الدينية الخاصة ولكن دون اعتبارها هي الدين. وكل ما أرجو هو أن يعتبر هذا الرد وغيره إسهام في بلورة هذا المسار وليس تهجما على أي كان.