الثلاثاء، 26 أغسطس 2008

إخفــــــــاق

-
لماذا هذا الإخفاق التاريخي الكبير في امتنا العربية وما هو سبب انعدام الإنجاز الذي يدمر حتى الشعور بالكرامة عند العربي ؟

في البداية علينا أن نسأل من نحن؟ وماذا نريد؟

نحن أمّة عربيّة مجزأة إلى أقطار، كلّ قطر تتنازعه قوتان رئيسيتان : قوّة مستفيدة من الوضع الحالي وبالتالي تسعى إلى تأبيد وإدامة تحكمها في مقدراته، وقوّة متضررة وتناضل من أجل تغيير هذا الوضع لما هو أفضل وأرقى.

* القوّة الأولى متشكلة في أنظمة سياسية ومتبلورة في طبقات اجتماعية :إقطاع بأنواعه: ريعي، عشائري، قبلي، طائفي... وبرجوازيات مرتبطة برأس المال العالمي، لا تراكم رأس المال من أجل تطوير الصناعة والفلاحة وإنما تمتهن التوريد والتصدير.
هذه القوّة أفرزت تيارات وأحزاب سياسية تدافع عن مصالحها، لذلك ليس غريبا أن تجد أحزابا ماسكة بالسلطة السياسية وأحزابا تعارضها من أجل أن تحلّ محلـّها فقط، لا يهمّها أي تغيير بل التغيير الوحيد الذي تسعى له هو تغيير الوجوه الحاكمة كصمام أمان ضدّ التغيير الحقيقي والجذري.

* القوّة الثانية هي جيش عرمرم من المعدمين (أجراء، مزارعين، عاطلين عن الشغل...)، موظفين، برجوازية وطنية تصارع التغوّل الرأسمالي العالمي المعولم.
هذه القوّة أفرزت أيضا تيارات وأحزاب تناضل من أجل التغيير لما هو أفضل، من أجل التحرر الوطني وبناء الديمقراطية الشعبيّة، ولذلك هي في صراع مع القوى الرجعيّة التي تسعى لتأبيد الوضع.

بعد هذا التوضيح أقول، الإخفاق الذي نكابده كعرب في توحيد أقطارنا في كيان واحد، متطوّر اقتصاديا وثقافيّا وسياسيّا، هو إخفاق هذه القوى التقدميّة في بلورة مشاريعها وبرامجها لتلامس هموم المواطن، بل أن العديد من هذه القوى لا زالت تعتقد أن مهمّتها تكمن في إحياء أمجاد ومُثل عُـليا حُدنا عنها، متناسية أن المطلوب هو مواكبة كل ما هو جديد في الواقع وفي الأفكار التي يفرزها، وكيفية الاستفادة منها، لبلورة أفكار تتناسب مع واقعنا العربي ولتساهم في تطويره نحو الأفضل.
فإن كانت القوى الرجعيّة تجهد لنشر الشعوذة و ثقافة الهزيمة: "ليس في الإمكان أحسن ممّا كان"، وتبالغ في نفي دور الشعب ممّا يجعل المتحكمين في رقاب الشعب يبرزون وكأنهم القوّة الوحيدة المتحكمة بحركة المجتمع. فدور القوى التقدمية يكمن في عقلنة الوعي السياسي، أي السعي لإعادة بناء السياسة من منظور مختلف، فبدلا أن يكون النضال السياسي متمحورا حول من سيكون على رأس السلطة، يتحول ليتمحور حول البرامج السياسية التي ستقدم حلولا لقضايا المجتمع.

وهكذا، وبدل أن يتجاذب الناس حول مفاهيم مبهمة : الإسلام هو الحل، العلمانية هي الحل، الليبرالية هي الحل، الاشتراكية هي الحل... سيفرز الصراع السياسي إستقطابا حول البرامج التي ستقدّم حلولا.


ليست هناك تعليقات: